لقد عرفت مصر بعد الثورة الانتخابات الحقيقية لأول مرة، صحيح أنها لم تكن نموذجية، غير أنها جاءت تجربة استحقت الإشادة وبعثت على التفاؤل فى عواصم العالم التى ترقب المشهد فى مصر.. ورغم ذلك تسلك كل الأطراف بنزعة ارتدادية إلى البؤس الذى كان، الأمر الذى يثير دهشة المتابعين فى الخارج.
فى العاصمة الدنماركية كوبنهاجن أمضت مجموعة من الإعلاميين والكتاب المصريين أسبوعا زاروا خلاله البرلمان وهيئة الإذاعة والتليفزيون العامة والدوائر الإعلامية وجلسوا مع وزير الخارجية ودارت حوارات مطولة ومعمقة عن تجربة مصر ودول الربيع العربى.
كان هناك تصور مسبق لدى البعض بأن ثمة انزعاجا لدى الدوائر الغربية من صعود الإسلاميين إلى الحكم بعد الثورات، غير أن المفاجأة أنهم أكثر تفهما وتقبلا لهذه الوضعية الجديدة من كثيرين فى مصر والدول العربية، بل إن وزير الخارجية يعبر عن سعادته بأن مكان جلوسه فى اجتماعات الأمم المتحدة يكون دائما بجوار ممثل مصر بحكم الأبجدية اللاتينية، حيث ترى الخارجية الدنماركية المرحلة الانتقالية فى مصر «مشجعة» كون مصر تعرف الآن ولأول مرة الرئيس المنتخب، الأمر الذى جعل دول الاتحاد الأوروبى أكثر حماسا على المعاونة والدعم الكامل للتحول الديمقراطى.
ووفقا للرؤية ذاتها فإن هذا لن يكتمل دون توافر عوامل التطور المهمة وفى مقدمتها حرية الصحافة، بحيث تكون هناك صحافة حرة لتنتقد الحكومة بشكل مستمر، إلى جانب ضرورة أن تطرح القرارات والقوانين الجديدة على الشعب بشكل مستمر.
وبتعبير أوضح يجب أن تكون هناك حكومة ومعارضة، الحكومة لتحكم والمعارضة لتعارض الحكومة وفيما بينهما الشعب والإعلام الحر ومؤسسات المجتمع المدنى، ومؤسسات للتنمية والتضامن حول العالم.
وفيما يتعلق بالسؤال الكلاسيكى الذى يطرح دائما فى هذه المناسبات كان تعليق المسئولين الدنماركيين على وصول أحزاب إسلامية فى مصر إلى الحكم «نحن لا نحكم على الأحزاب من أسمائها، فالعبرة بالأفعال والتصرفات فهناك العديد من الأحزاب التى تتخذ أسماء مسيحية فى الداخل الدنماركى وفى أوروبا أيضا، وفى تونس مثلا الأحزاب الإسلامية تحالفت مع الأحزاب اليسارية وفى مصر خاض الإخوان انتخابات جيدة، والمعيار هنا هو احترامهم للقانون وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والشباب».
باختصار وحسب تعبير وزير الخارجية «لست قلقا ولا أقسم الجماعات أو الأشخاص حسب ميولهم وانتماءاتهم الدينية المختلفة ولا كيف يرتدون ولكن عن طريقة أدائهم فى ملعب الديمقراطية».
ولو قارنت بين هذه الروح التى تتعامل بها دوائر أوروبية وغربية وبين ما يصدر من مواقف فى عواصم عربية وهنا فى الداخل ستكتشف أن الآخرين أحيانا أكثر احتراما وتقديرا وأملا فى ثورة صنعناها بدماء طاهرة لا تستحق من الجميع كل هذا العبث الدائر فى مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق